النساء في اليمن: جيل جديد من حافظات الحرف اليدوية التقليدية
إيمان الشرماني، امرأة في الثالثة والأربعين من عمرها، تنحدر من منطقة ماوية في تعز بدأت رحلتها كأم مطلقة تسعى لتأمين حياة كريمة لابنها الصغير، وتروي قصتها بعزيمة وإصرار، في البداية كان والدها – رحمه الله – هو من يدعمها مالياً هي وابنها، ولكن مع مرور الوقت شعرت إيمان أنها بحاجة للاعتماد على نفسها، حيثُ بدأت بالعمل على الكروشيه وبيع “الليَف” التقليدي، لتكتشف في هذه الأعمال الصغيرة بداية طريقها نحو الاستقلال.
وتروي: “التقيت بامرأة اقترحت عليّ أن أتعلم صناعة الأحزمة، ووجدت الفكرة تستحق المحاولة، التحقت بالمركز النسوي وتعلمت حرفة صناعة الأحزمة التقليدية، وقد بعت أول حزام لي بمبلغ ألفين ريال، ومع كل قطعة جديدة كنت أتعرف على السوق وأصحاب الجنابي وتعاملت معهم وبدأت أتقدم، وأحسست براحة مادية ونفسية بفضل عملي”.
لم تكن مسيرة إيمان خالية من التحديات، حيث كان التحدي الأكبر عندما دخلت إلى عالم صناعة العقيق وتقطيعه، وهي حرفة تقليدية عادةً ما تكون للرجال، واجهت اعتراضاً من إخوتها، لكن والدها وقف بجانبها، شجعها على المتابعة وتخطي كل العقبات في عام 2010، التحقت بدورة تدريبية في العقيق مع مجموعة من الحرفيين الهنود، ورغم الصعوبات، تعلمت صناعة العقيق.
يمنيات الحرف اليدوية
واجهة إيمان اعتراض من قبل المدير الذي رفض دخولها لتعلم صناعة العقيق قائلاً: “هذه حرفة رجال، لا يمكنك تعلمها”، وأصر على أن تحضر تصريحاً من وزارة الثقافة، لم تستسلم ولم تقف عاجزة، بل ذهبت للمتابعة وحصلت على دعم من وزير الثقافة في ذلك الوقت عبدالله عوبل، وتعلمت صناعة العقيق حتى أصبحت واحدة من المدربات في هذا المجال.
وعن تلك الأيام الصعبة، تتذكر إيمان كيف كان الناس يسخرون منها عندما تعود من معمل العقيق مغطاة بالتراب، حتى ابنها كان يمزح معها ويقول إنها خرجت من الطاحون! لكنها واجهت هذه النظرات واستمرت في مسارها حتى صنعت لنفسها مكانة محترمة في المجتمع وتقول “أن صناعة العقيق جعلت من شخصيتها أكثر قوة” وأن المرأة تستطيع الإبداع في صناعة العقيق حتى أفضل من الرجال.
وقد شاركت إيمان في مهرجانات متعددة، وفازت بالمركز الثاني في مسابقة “أجمل منتج حرفي سياحي” في صيف صنعاء، وهذا منحها شعوراً بالفخر والقوة.
تقول إيمان: “إنجازي الأكبر، هو تمكن ابني من الدراسة في أفضل المدارس حتى التخرج من الجامعة”، وقد ساعدني عملي في الحرف اليدوية التقليدية على تطوير نفسي ودعمي مادياً، حيثُ أعمل صباحاً في العقيق، وبعد الظهر والمساء في صناعة الأحزمة، وأنا اليوم مدربة للحرفيات الشابات اللاتي يسعين لتعلم هذه الحرفة الجميلة.”
صباح الجرباني هي الأخرى إحدى النساء اليمنيات المكافحات، أربعينه العمر، وُلدت في قرية جربان همدان نشأت في صنعاء، حيث أكملت دراستها حتى الصف السادس، إلا أن مشاكل أسرية دفعتها للعودة إلى قريتها جربان لإكمال التعليم هناك، كانت تضطر للسير لمدة ساعة يومياً للوصول إلى المدرسة، التي كانت تضم طلابًا من قريتين، وكانت صباح الطالبة الوحيدة وسط الأولاد، تتحدى الصعوبات وتثبت رغبتها في التعلم.
بعد زواجها وانتقالها إلى صنعاء، أنجبت صباح ستة أطفال وكرّست حياتها لهم ولأسرتها. وعندما أجرت والدتها عملية قلب ولم تعد قادرة على العمل، قامت صباح بأخذ مكانها في العمل بالمركز النسوي في هذا الوقت، بدأت تكتشف عالماً جديداً في الحرف اليدوية التقليدية كالتطريز والحياكة، عندما جذبتها حرفة تطريز الحرير على البالطو الذي ارتدته المدربة نبيلة، إحدى موظفات المركز طلبت منها صباح أن تعلمها، وبالفعل بدأت خطواتها الأولى في هذا المجال الذي لم يكن غريبًا عنها حيثُ قامت والدتها بالمحاولة معها لتعلم الحرفة وهي في الصف السادس لكنها لم تحب التطريز في ذلك السن.
تروي صباح كيف تغير الحال، وأصبحت تتردد بانتظام على المركز، تعمل وتتدرب، وتنسق عملها مع مديرة المركز نجلاء ومديرة المعهد ألفت الشبه، هكذا بدأت قصة نضال صباح التي أتمت عشر سنوات في هذا المجال، وتطورت في الحرف اليدوية التقليدية كالحياكة والتطريز على الأحزمة، حيث أصبحت تعمل حسب الطلب وتنسج الأحزمة بدقة وإتقان.
في لحظة مميزة، صنعت صباح حزاماً ذهبياً لوالدها، الذي غمره الفرح بهذا العمل من صنع يديها، والذي كان الداعم لها معنوياً ومادياً، بجانب زوجها الذي يدعمها في كل خطواتها، حيث كان تعبيره عندما أعجب بالحزام الذي صنعته له قال:”سيورثه لابنه”، دعمًا وفخرًا بعملها ورغم الصعوبات، سجلها زوجها في المعهد لاستكمال تعليمها وتطوير مهاراتها في الخياطة والتطريز، حلم صباح الكبير هو دمج مهارات التطريز الحريري في تصاميم فساتين من صنعها الخاص، وجعلها تعبيراً عن صونها للحرف اليدوية التقليدية ليزين حياة نساء أخريات.
وتقول صباح أنه لم يكن دعم الأسرة وحده كافياً، بل كان زميلاتها في المركز النسوي دائماً داعمات لها، مما أشعرها بالأمان والتمكين الاقتصادي والاجتماعي، أما عائلياً فتجد صباح الحب والدعم من بناتها، اللواتي يشاركنها الشغف ويساعدنها في بعض الأحيان.
حرف تقليدية اندثرت وأخرى تقاوم الاندثار
اندثار صناعة حرف تقليدية يدوية يحاول المركز إعادة إحيائها وتوثيقها كونها من الحرف التي تشتهر بها اليمن منذ القدم في صناعة الأزياء النسائية، ولكن إهمال الجهات المعنية وفقدان الإمكانيات المادية كانت حائلاً دون تحقيق ذلك ومن تلك الحرف التي اندثرت إما بسبب فقدان الأيادي العاملة التي كانت تعمل عليها أو دخول منتجات مستوردة من الصين شبيهة بها.
حرف تقليدية يمنية
التزجة: وهي نوع من أنواع الحياكة اليدوية تشتهر بها مدينة صنعاء القديمة وتتخذ الُّحمة في النسيج من خيوط السيم الفضية، وتتخذ السداة من خيوط القطن أو خيوط الحرير وفي أطراف التزجة نُثبت عذب بأطوال متدرجة ومتناسقة، والعذب كما وضح المعجم اليمني العثاكل أو العذابل في طرف الرداء أو حواشيه تعمل للزينة، وشريط التزجة يزين أطراف قطعة قماش مربعة الشكل الطاس وتسمى هذه القطعة متكاملة العسجة وهي من زينة رأس المرأة الصنعانية عندما تلُف على الرأس في شكل عمامة صغيرة أنيقة.
الفرَّادي: وهو قطعة مربعة من قماش القطن الطبيعي رسم على جميع جهاتها خط مستطيل بلون وردي لعله كان أحمر ذات يوم، وتزين العذب أطراف قطعة القماش في جميع جهاتها، وهي من الذوائب التي تزين أطرافها من خيوط حريرية مرتبة ومرسلة، الكبيرة منها تسمى عذبه وتجمع عذبات، والصغيرة تسمى عسابل ويعتبر الفرادي من زينة رأس المرأة ومن مكونات العُصبة الذهب.
المَغمُق: شكل من أشكال غطاء الوجه التقليدي في صنعاء وهو قطعة قماش مستطيلة طولها ٨٦ سم وعرضها ٥٤ سم، منسوجة من الحرير الخالص وفي هذا الحال يسمى غنمي، أو من القطن ويسمى بقري، ويتم صبغها بطريقة تقليدية تسمى (التربيط) حيث يتم تربيطه على شكل دوائر لونية أسود وأحمر أما لون القماش الأساسي فهو اللون (الأبيض).
رأس المَغمُق المدرَّع والمُصدَّف: عبارة عن قطعة مستطيلة من قماش القطن الطبيعي طولها ٢٢ سم وعرضها ٥١ سم لونها أسود مساحتها الأفقية مساوية لمساحة ضلع المغمق الرأسية يتم تثبيتها على أحد ضلعي المغمق لتصبح رأساً يعلوه وتشترك أربع حرف يدوية تقليدية في تجهيزه وهي التطريز، التزجة، صناعة الدروع النحاسية، والخياطة. ورأس المغمق المصدف يتميز بأنه مطرز بخيوط السيم المطلية بالفضة دون وجود الدروع النحاسية.
التَرجُوال: هي القطعة المطرزة التي تضاف أسفل ساقي السروال التقليدي قد تكون من تحت الركبة إلى نهاية الساق وقد تكون من منتصفه حسب تراث كل منطقة، ويعتبر من ملابس النساء اليمنيات وتشتهر به منطقة حراز كما أنه يعتبر من مكونات ملابس المرأة الصنعانية اليهودية، أما النساء الصنعانيات المسلمات يرتدين السروال الدمس.
وفي حديثها (لمنصتي شواهد/ نسوان فويس) تقول أفراح محمد مسؤولة العلاقات العامة بالمركز النسوي لأن من ضمن أسباب اندثار بعض الحرف اليدوية التقليدية الاحتكار والجهل كما حدث مع حرفة رأس المغموق حيثُ الأصل أن هناك أسرة يمنية قامت باحتكار هذه الصناعة وترفض تناقل هذه الحرفة بين الناس، وسبب ذلك في اندثار صناعة تلك الحرفة”
أقدم مركز نسوي للحرف يقاوم من أجل الحفاظ
إنشاء المركز الوطني النسوي لتطوير الحرف والمشغولات اليدوية في عام ١٩٨٨م، بدعم من البرنامج الإنمائي وحالياً يتبع وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية، وهو أحد المراكز التدريبية النسوية داخل صنعاء القديمة، والتي تعتبر من أهم المراكز التي تساعد على أحياء وصون الحرف التقليدية وحمايتها من الاندثار.
وفي حديثها (لمنصتي شواهد/ نسوان فويس) تقول مديرة المركز النسوي نجلاء الجوزي أن “للمركز دور في عملية التدريب في مجالات الحرف اليدوية التقليدية المتنوعة، والعمل على التوعية بأهمية الحفاظ على الحرف وحمايتها من الاندثار وإقامة المعارض وتبادل المعارف بين الحرفيين، وتنظيم ورشات لتدريب على الحرف وتطويرها”
وتشير الجوزي إلى صعوبات يتعرض لها المركز والتي منها عدم وجود الدعم الكافي للمركز وللكوادر التي تعمل فيه، حيثُ مازال مستمر بجهود ذاتية من قبل كوادره إيماناً منهن بأهمية الاستمرار من أجل الحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية وتناقلها بين النساء، حيثُ يبلغ عدد كوادر المركز ٢١ مدربة في جميع الحرف ويعتبرن ذات خبرات كبيرة تصل بعض الكوادر إلى أكثر من ٣٠ عام من الخبرة والمهارة في الحرف اليدوية التقليدية والتي منها الحزام والنسيج.
وتقول أفراح محمد “المركز لا يكتفي بما لديه من خبرات بل يقوم بعملية التطوير المستمر للمدربات وعمل زيارات ميدانية للسوق المخصص بالحزام لمعرفة التطورات الجديدة ومتطلبات السوق وذلك من أجل تلبية ذلك من خلال تدريب النساء اليمنيات على ذلك بحيث نخرج بمنتجات منافسة للسوق وينطبق ذلك على باقي أسواق الحرف”.
وتشير أفراح أن للمركز النسوي دوراً في نقل الحرف اليدوية التقليدية والتي منها حرفة الأحزمة إلى السجن المركزي، حيثُ قمت بتعليم امرأة وهي بدورها علمت زوجها وقد قام بتعليم وتدريب الكثير من المسجونين وأبدعوا وخرج من السجن العديد من الأحزمة المشغولة بإتقان منتهى النظير”
وتوضح أن للمركز أكثر من ثلاثون عام تخرج منه ١٠١٠ متدربة حرفيات كان هدفهن تعلم حرفة وخرجين متقنات لها إلى سوق العمل في مجالات متعددة من الحرف اليدوية التقليدية، وهناك من أصبح لديهن مشروعتهن الخاصة، ومنهن الآن مدربات، ومنهن من نقلين الحرف لأفراد أسرتهن.
وتقول أفراح أن للمركز عدد من الشراكات مع جهات ومنظمات دولية والتي منها اليونيسف والصندوق الاجتماعي ومؤسسة خيرات للتنمية، ومؤسسة التنمية المستدامة، حيثُ قامت الشراكات على أساس أي تدريب يخص بالحرف يقام في المركز النسوي، وقد قمنا بالشراكة مع اليونيسف بتدريب ٦٠٠ متدربة، مقسمة لكل عشرة أيام ٢٠٠ متدربة.
المرأة اليمنية عنصر مهم في عملية حماية وصون التراث
أن للمرأة اليمنية دوراً مهماً في جميع المجالات، ولا سيما عملية حماية وصون التراث والحرف اليدوية التقليدية وفي حديثها (لمنصتي شواهد/ نسوان فويس) يقول رفيق العكوري ضابط الاتصال بين اليونسكو واليمن في التراث الثقافي غير المادي أن المرأة اليمنية الحاملة الأساسية لكثير من أنواع عناصر التراث خاصة تلك العناصر المتعلقة بالحرف اليدوية التقليدية، حيث تلعب دوراً مهماً في نقل المعارف والممارسات والعادات المرتبطة بالحرف للأجيال الحديثة.
يوضح العكوري أن البعض يعتقد أن هناك حرف تقليدية خاصة بالرجال كمثل صناعة الجنابي لكن الحقيقة أن للمرأة اليمنية دوراً كبيراً في صون هذه الحرفة من عدة نواحي فهي من تقوم بعمل زخرفات حزام الجنبية، وتقوم بتجهيز الأطفال ولبسهم اللبس التقليدي وهي من تغرس في نفوس الأطفال والرجال التمسك بالعادات والتقاليد، لهذا تعتبر المرأة اليمنية عنصراً مهماً في صون الحرف التقليدية سواء بشكل مباشر مثل صناعة السعفيات والحلويات الشعبية وأحزمة الجنابي وغيرها من الحرف اليدوية التقليدية أو بشكل غير مباشر مثل حرفة صياغة المجوهرات التي قد لا تقوم المرأة بصياغتها لكنها لا تدوم بدون استخدام المرأة، وتعتبر اليونسكو وجود المرأة شرطاً أساسياً في اعتبار أي عنصر ضمن التراث الثقافي المادي وغير المادي.
ويشير العكوري أن لا يوجد أي سبب يمنع المرأة من ممارسة العمل على أي حرفة تقليدية، كما أنه ليس شرط لصون أي عنصر أن نشارك فيه بشكل مباشر، فحرفة العقيق تعتمد في استمراريتها على عدة عناصر مثل المعتقدات المرتبطة بالعقيق، وعادات لبس خواتم العقيق للرجال ولبس المرأة الحلي المزينة بالعقيق وبذلك تستطيع المرأة أن تمارس حرفة العقيق كحرفة يدوية وتستطيع أن تمارسها كتاجرة أو سيدة أعمال.
وفي نفس السياق قالت الجوزي “أن تواجد المرأة اليمنية في عملية حماية وصون الحرف اليدوية التقليدية ذو أهمية لما تلعبه المرأة من دور مهم في نقل التراث من جيل إلى آخر، وتعتبر عنصراً مهمًا في المجتمع وهي المحرك الأساسي في نقل العادات والتقاليد التي تشكل هويتنا الثقافية”.
وتقول أفراح محمد أن “للمرأة دور كبير في نقل وحماية الحرفة حتى إلى الرجل، حيث أن في إحدى قصص التي جاءت إلى المركز سميرة الخولاني لتعلم حرفة الأحزمة من أجل أن تدرب عشرين رجلاً من أسرتها على الحرفة كون المركز متخصص بالنساء فقط، فقامت هذه المرأة بنقل الحرفة إلى جميع أفراد أسرتها نساءً ورجال وحتى نشرت الحرفة بين أبناء قريتها”.
وأما في حديثها (لمنصتي شواهد/ نسوان فويس) تقول أمه الباري العاضي استشارية الحرف اليدوية التقليدية في عدة جهات محلية ودولية ورئيسة الفريق الوطني لمسح وتوثيق الحرف اليدوية التقليدية أن المرأة الحرفية تحتاج إلى دعم سواء من المانحين أو من منظمات المجتمع المدني ومن الحكومة لكي تستمر في العمل في الحرف اليدوية التقليدية.
ترابط بين الحرف اليدوية التقليدية والفن المعماري للمدن الأثرية
عند التأمل للحرف اليدوية التقليدية وللفنون والهندسة المعمارية في المدن والمعالم الأثرية نجد ترابطًا كبيرًا فيها يصل إلى تطابق الزخارف والنقوش وكأن هناك تناغم فيما بينهما، وقد دلل على ذلك قول القاضي علي أحمد أبو الرجال في كتاب “مسح وتوثيق الحرف اليدوية التقليدية في مدينة صنعاء القديمة ٢٠٠٦-٢٠٠٧” “أن الخطاطين الأوائل كانوا يستوحون الزخارف التي يقومون برسمها على قطعة القماش من نقوش المساجد، وأشهر من كان يقوم بذلك في الأربعينيات من القرن العشرين هو إسماعيل الصديق الذي كان يشاهد وهو مستلقي على ظهره فوق أرضية الجامع الكبير ويقوم بنقل النقوش من سقف الجامع إلى القماش ثم يقوم بتطريزها بنفسه وقد أنتج إسماعيل عدداً كبيراً من الأحزمة والقناعات النسائية المذهبة التي ما زال بعضها موجوداً لدى بعض أعيان صنعاء القديمة”.
ومن جانبه يقول رفيق العكوري أنه لا يمكن فصل المدن التراثية عن ثقافة مجتمعها فالمباني ليست عبارة عن مباني خاوية بدون روح لذلك فإن تلك النقوش والروح التي في المباني الأثرية تكون مادة غنية يستوحيها الحرفي وينقلها إلى الحرفة التقليدية، وهنا يكون الترابط بين التراث المادي واللامادي في جميع عناصر التراث.
تقول نائبة المدير العام للحرف والمشغولات اليدوية في المركز النسوي أمه الرحيم أبو حاتم “أن هناك ارتباطًا كبيرًا وذلك لأن الحرفة التقليدية تكون مستوحاة من نقوشها وغرزها من الطابع المعماري لمختلف المدن الأثرية والبيئة المحيطة بنا من طبيعة، نحن أبناء البيئة ننقلها في الحرفة اليدوية التقليدية لما لها من ترابط وتناغم خصوصاً في النسيج اليدوي والحزام الذهبي”.
وتقول أفراح محمد “أن الحرفي كرسام ينقل كل ما يحيط به من نقوش للحرفة، بالإضافة إلى أن الفن المعماري لصنعاء القديمة والمدينة زبيد وحراز فيها إبداع جعلها ملهمة لكثير من نقوش (غرز) الأحزمة، وبدليل على ذلك وجود في أحد نقوش الحزام (غرزة الحزام) وهي غرزة بسيطة وتنتمي هذه الغرزة إلى عائلة بيت الكبسي وهي عبارة عن الحزام الموجود في تجاويب بيوت صنعاء القديمة، كما توجد غرز خاصة بمحافظة صعدة تحديداً اليهود الذين كانوا يسكنون المحافظة، حيث كان لهم غرز ونقوش خاصة كرموز والمستوحاة من معابدهم وفنهم المعماري، ولقد قمنا بتوثيقها”.
إهمال للحرف اليدوية التقليدية
رغم تنوع الحرف اليدوية التقليدية في اليمن، قد يصل إلى تميز كل محافظة بل وكل مدينة من مدن اليمن بحرفة تقليدية إلا أن ذلك لم يحرك مشاعر الاهتمام من قبل السلطات المتعاقبة وذات الاختصاص بأن تعمل على الحفاظ عليها وتوثيقها وإجراء مسوحات مستمرة من أجل معرفة ما طرأت عليها، قد يصل الأمر أنه لا يعرف القائمون على ذلك ما هي الحرف اليدوية التقليدية التي اندثرت فكيف لهم أن نعمل من أجل تسجيلها كتراث مادي للحرفة وطقوس العمل عليها كتراث لامادي في قائمة التراث العالمي لليونسكو.
ويأسف العكوري ويرد أن اليمن إلى اليوم لم تقم بعمل قوائم حصر للتراث المادي واللا مادي، حيثُ أنه أحد أهم شروط اليونسكو للإدراج ضمن قوائم التراث (القائمة التمثيلية).
ومن جانب آخر تقول أمه الباري العاضي أن “الجهات الحكومية هي عدة جهات وزارة الثقافة هذه جهة تختص بالتوثيق والتدريب، كذلك وزارة الشؤون الاجتماعية تعنى بعمل التصاريح وتسهيل مهام منظمات المجتمع المدني، ومنظمات المجتمع المدني تقوم بتدريب المستفيدات أو الحرفيات، وزارة الصناعة والتجارة والتي لا بد أن تضمن الحقوق الملكية الفكرية للحرفيين”.
وتأكد العاضي أن هناك قصورًا كبيرًا من الجهات الحكومية في جانب المسح والتوثيق للحرف اليدوية التقليدية، حيثُ يفترض أن المسح والتوثيق الميداني للحرف الذي قمنا به منذ بداية عام ٢٠٠٤ وحتى ٢٠١٠م والذي شمل توثيق الحرف في أرخبيل سقطرى ومسح وتوثيق للحرف اليدوية التقليدية في كلاً من صنعاء القديمة ومدينة زبيد التاريخية، أن يكون هناك عمل شبيه بذلك كل عشر سنوات على أساس معرفة ما حدث من تغيير ولكن لا يوجد داعمين لذلك.
صناعة الأحزمة بمجهود ذاتي
في سياق متصل تقول أفراح محمد أنها عملت بمجهود ذاتي على توثيق حرفة صناعة الأحزمة، حيثُ قامت بجمع وتوثيق جميع الغرز الخاصة بالحزام من جميع المحافظات اليمنية والأسر التي معروفة ومشهورة في العمل على حرفة الحزام والتي كانت محتكرة لبعض الغرز مثل غرزة الظفر وغرزة البرعمة، ووضعها في برنامج واحد اسمه الحزام الذهبي كثوثيق لهذه الحرفة اليدوية التقليدية والتي استغرق ذلك مني عام كامل دون وجود أي دعم من أي جهة”
وتشير أن العمل على التوثيق الخاص بالحزام الذهبي قام بإحياء بعض الغرز التي بدأت في الاندثار والتي منها الغرزة الخولانية منذ ١١ سنة، حيثُ قمت بالبحث عنها وتوثيقها وأعمل على نشرها وإحيائها من أجل حمايتها ونقلها بين الأجيال.
وتوضح أن المركز يقوم بالتدريب على مستوى جميع المحافظات برنامج الحزام الذهبي الشامل لجميع الغرز والنقوش الخاصة بالحزام، حيث تأتي النساء من مأرب وخولان والحيمة وغيرها من المحافظات لتدريب ونقل الحرفة إلى تلك المحافظات ونشرها وإعادة إحيائها.
وتذكر أفراح أنه كان هناك مشروع لعملية التوثيق للحرف وترميم المشغولات القديمة، حيث تم البدء في العمل مع أمه الرزاق جحاف رحمها الله قبل سنوات، ويختص المشروع بتوثيق جميع الغرز (النقوش) اليمنية في فساتين وكان الداعم لذلك منظمة اليونسكو، وذلك لأن الفستان الواحد مكلف جداً، حيث ستقوم على العمل عليه أكثر من حرفية، ولمدة لا تقل عن شهرين ولكن تعثر العمل على هذا المشروع بموت أمة الرزاق جحاف وتغير الوضع في البلاد.
في سياق آخر يقول نائب مدير الحرف والمشغولات اليدوية بوزارة الثقافة فؤاد الحرفي “أن الاهتمام موجود لكن لا ننسى الوضع الراهن الذي مررنا به في الفترات السابقة ونمر به حالياً من حصار ووضع اقتصادي ووقوف الحركة في جانب السياحة، حيث أثر ذلك سلباً على الوصول للغاية المرجوة، مع وجود بعض المعوقات في الجانب الإداري لتنفيذ الخطط البديلة التي تسهم في حلول جزئية”.
المنتجات المستوردة ضربة قاضية للحرف التقليدية
يعتبر فتح الأسواق اليمنية على مصراعيها لكل المنتجات المستوردة الضرورية وغير الضرورية ضربة قاضية للمنتجات الوطنية عامة والحرف اليدوية التقليدية بشكل خاص، وهنا يقول رفيق العكوري إن الحرف التقليدية واجهت الكثير من الصعوبات والتحديات التي تؤثر على استمراريتها ومن تلك الصعوبات هي فتح الأسواق على الاستيراد الخارجي، حيث أنه يمكن الحصول على منتج مستورد مطابق وأكثر رونقاً وبسعر أقل من المنتج المحلي.
ويشدد العكوري على أهمية دور الدولة في سن القوانين التي تساعد على بقاء الحرف المحلية، كدعم سوق العمل وأصحاب الحرف بإعفائهم من الضرائب أو مساعدتهم مالياً في إنشاء ورش ومعامل وفي الترويج لمنتجاتهم محلياً وخارجياً.
يوضح العكوري عن الافتقار إلى دراسات ميدانية حقيقية تبين الصعوبات التي تواجه الحرف اليدوية التقليدية بشكل علمي لأنه لا يمكن وضع حلول دون عمل دراسات وأبحاث ميدانية لمعرفة أنواع الصعوبات وحجمها ومقترحات أصحاب الشأن للحلول.
أهمية كبيرة في إحياء التراث
من جانبها تقول أمه الباري العاضي إن للمرأة اليمنية أهمية كبيرة في إحياء التراث خاصة الحرف اليدوية التقليدية باعتبارها من التراث المادي، لكنها للأسف الشديد تعاني من سيطرة تجار الجملة في صنعاء القديمة باستيرادهم المنتجات التقليدية من الصين والهند.
وتوضح أن فتح الأسواق للاستيراد أثرت بشكل كبير وخاصة على شغل الحزام الذي النساء هن مهتمات وأغلب من يشتغل على حرفة العسوب (الحزام) هن من النساء التي تعطيهن الحرفة حياة كريمة في بيوتهن.
وتأسف العاضي من ما يحدث الآن بقولها “كل ما أجد إحدى الحرفيات تشكي حالها أن لا أحد يشتري منهن، وأن إذا اشترى أحد منهن يشترون بثمن بخس، بعض التجار يبخسون أعملهن إلى مبالغ زهيدة لا تفي حتى بثمن المادة الخام ولا بمجهودهن فيكون هناك ظلم”
وتؤكد على ضرورة تدخل الدولة بشكل كبير خاصة الجهات ذات الاختصاص غرفة الصناعة والتجارة هي المسؤولة عن منع الاستيراد للمنتجات التي تنافس الحرف اليدوية التقليدية، وكذلك وزارة الثقافة التي يجب التحرك من أجل حماية الحرفة اليدوية التقليدية.
ومن جانب آخر يقول فؤاد الحرفي “أن من أهم معوقات الحرف اليدوية التقليدية انعدام المشاركة في المعارض للمنتجات الحرفية خارجياً وضعف المشاركة داخلياً، وكذلك غزو السوق المحلي بالمنتجات الخارجية وفتح مجال الاستيراد لها بمواصفات تطابق المنتج المحلي وهذا يؤدي إلى تجميد المنتج الحرفي وحالة إحباط الحرفي في استمراريتها ممارسة الحرفة”.
ويضيف الحرفي أن هناك غياب آلية المحاسبة للعابثين في بعض الحرف المشوهة للمنتج واستغلال الحرفة تجارياً بإدخال مواد خام مصنعة تسيء للهُوية اليمنية التراثية الأصيلة.
كما ترجع أمه الرحيم أبو حاتم ذلك إلى القصور الشديد في الوعي التراثي عند المواطنين حيثُ أنهم ينجذبون إلى المنتجات المصنعة والمستوردة، وتقول على الرغم من ذلك يوجد هناك آخرون لديهم الوعي بأهمية الحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية وينجذبون لها ويقومون باقتناء تلك القطع، حيثُ أنها تمتاز بطابعها الجمالي والجودة عن مثيلاتها من القطع المستوردة.
وتشير نجلاء الجوزي أن هناك تأثير لفتح الأسواق اليمنية للاستيراد في اندثار بعض الحرف، حيثُ يؤدي إلى عرقلة نمو وانتشار الحرفة ويعمل على تدمير استمرارية الحرف اليدوية التقليدية، ويؤدي ذلك إلى محاربة الحرفيين ويوسع من دائرة البطالة في أوساطهم، ليس ذلك وحسب بل أن بعض المنتجات المستوردة تسيء إلى سمعة الصناعات الحرفية اليمنية والتي عرفت عبر التاريخ بجودتها العالية والكبيرة، وهذه من المشكلات التي يجب أن تحظى باهتمام كبير من وزارة الصناعة والتجارة وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
(لمنصتي شواهد/ نسوان فويس)